[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الفيلم أشبه بصدمة.. ربما تدفعك للتغيير
في الحقيقة أنا لم أرَ إعلان الفيلم والذي دفع محامياً مصرياً لتقديم بلاغ ضده بدعوى أنه يسيء إلى سمعة فتيات مصر، ويُحرّضهم بشكل مباشر على الفسق والفجور، ولم أسمع أصلاً عن اسم الفيلم أو أي شيء عنه، ولكن اسم المخرج محمد أمين على الأفيش كان ضماناً لي بأن أشاهد فناً حقيقياً بعد أن شاهدنا جميعاً فيلمَيْه الرائعين "فيلم ثقافي" و"ليلة سقوط بغداد".
لم يبدُ على الأفيش الذي يغلب عليه اللون الأسود أي نوع من الكوميديا في ثنايا الفيلم، وإن كان فستكون كوميديا سوداء كما توقّعت تماماً، وجه زينة المألوف بالنسبة لي، وصبا مبارك جعلني أشعر أنني سأشاهد فيلماً نسائياً، ولكن من تأليف رجل هو نفسه المخرج محمد أمين.
في البداية.. اسم "بنتين من مصر" والذي تُرجِم إلى "Egyptian Maidens" أو "عوانس مصر"، جعلني أشعر بوقع الاسم الإنجليزي، وبتدخل الرقابة في اختيار الاسم العربي، أما الفيلم نفسه فأتوقّع أن يضع نفسه في قائمة أفلام الميلودراما العظيمة؛ مثل: "أحلام هند وكاميليا"، و"يوم حلو ويوم مر".
نجح محمد أمين كمخرج في التعبير عن معظم مشاكل مصر وبنات مصر من خلال قصة متماسكة، وإن كانت تحمل بعض المبالغة، فكأن مصائب مصر كلها تجمّعت لتدمّر حياة هاتين البنتين، ليخرج المُشاهد من الفيلم متسائلاً: "هو ما فيش غيرهم في مصر عشان تحصل لهم البلاوي دي كلها؟!!".
الفيلم يناقش بجرأة مشاعر البنات الداخلية ومشكلاتهم والتي ترتبط بمشهد يتكرر لمكان يبدو كنفق ينهار ويحترق مع تحذيرات من القابلية للاشتعال والانفجار، لندرك أخيراً أنه قلب سفينة الوطن التي تغرق بنا جميعاً، وإن حاولنا الهرب.
فتيات يحلمن بالحب والأمومة، وشباب تمزقهم البطالة والقهر والقمع السياسي هكذا عبّر محمد أمين بالصورة والصوت والشخوص والديكورات والخلفيات والموسيقى الرائعة لـ"رعد خلف" عن المجتمع المصري.
حوار جميل وسلس وخاصة الحوار بين صبا مبارك (داليا) وأحمد وفيق (جمال) صديق الإنترنت، وبين البنات وبعضهن حول وصف تجربة الزواج، فقط أعيب عليه استخدام كلمة (انفعلت بها) مرتين خلال الحوار في مشهدين مختلفين، أثناء حديث الرجل لإبداء رغبته في الزواج من امرأة عادة لا يقول "لما شفتك انفعلت بيكي" فهو وصف حسي قوي وغريب على الأذن المصرية ولا أعرف سبب استخدامه.
كما أن اختيار الممثلين لأدوارهم كان رائعاً وموفّقاً جداً، كما أن تقديم صبا مبارك كوجه جديد على السينما المصرية، نقطة تحسب لمحمد أمين.
بالنسبة للممثلين.. زينة قدّمت دورها بشكل جيّد، بعد أن خرجت من عباءة "البنت الروشة"، عبّرت بصدق عن مشاعر الاحتياج للحب والأمومة، ببساطة وخفة دم، أما صبا مبارك مفاجأة الفيلم بحق, تمثيل رائع ولغة مصرية سليمة بالنسبة لممثلة أردنية، أبدعت في كثير من المَشاهد، وبدت دموعها وانفعالاتها صادقة بدون مبالَغة أو انفعال، واستحقتا بالفعل تقاسم البطولة على رغم من تواجد بعض الأدوار الرجالية في الفيلم.
أحمد وفيق قدّم دوراً جيداً يحسب له، وطارق لطفي قدّم الدور كعادته بحرفية شديدة، وإن لم يُقدّم جديداً يُذكر وكذلك نهال عنبر، إياد نصار تألّق كعادته وقدّم دوراً جديداً عليه، كما أن الوجوه الجديدة مثل غادة جريشة ورانيا شاهين وأحمد جمال ورامي وحيد قد قدّموا أدواراً جيدة أضافت كثيراً للفيلم.
الفيلم شحنة فنية عالية، ولكنها محمّلة بالكثير من الألم، صادِم لأبعد حد، وخاصة لقلوب تعاني من معظم الأزمات التي تعلن عن وجودها وتكشف وجهها القبيح داخل قصته. سيدق قلبك وتنفعل مع موافقة البطلة على إجراء فحص العذرية، وستبكي في لحظات انتظارها لأخيها العائد جثة هامدة بعد محاولة فاشلة للهجرة غير الشرعية، ستضحك على خططهن الصغيرة للإيقاع بالعرسان، وستنبهر أمام وصف البنات لمشاعرهن ليلة الدخلة ويوم الصباحية، قد تتألّم كثيراً لوضعهن، وتعذُرُهن، وتلعن الظروف والتقاليد التي حوّلت حياة الجميع إلى جحيم، وقد تعترض على تفكيرهن وطريقتهن في الحياة، وتخرج منه مكتئباً اكتئاباً شديداً؛ لأنه أشبه بصدمة، ولكن ربما تدفعك هذه الصدمة للتغيير؛ فالتغيير عادة ما يبدأ بصدمات فنية مثل هذه.