[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] كيف قَبِل "السقا" أن يعود إلى سفح الجبل بعدما وصل إلى قمته؟!!
شاهدت -كما شاهد كثيرون- فيلم النجم أحمد السقا والنجم الرائع خالد النبوي "الديلر" والذي طُرِح بالسينمات مؤخراً، وبدأ عاشقو النجمَيْن في التوافد على قاعات السينمات بالعشرات حتى بدأت ماكينة السينما في الدوران لأكتشف الصدمة.
ربما يرى البعض في استخدامي لهذا التعبير لتوصيف فيلم أحمد السقا الجديد أن فيه شيئاً من المبالَغة والتهويل وربما "النفسنة"، وبالتالي أودّ أن أقطع على هؤلاء "البعض" هذا الطريق المسدود أصلاً؛ لأخبرهم بأنني واحد من أكثر المعجبين والعاشقين بأحمد السقا، وكنت من أشرس المدافعين عنه في فيلم "إبراهيم الأبيض" رغم اعتراض الكثيرين على كم العنف المستخدَم بداخله، وكانت حجتي وقتها أن الواقع أسوأ مما صوّره "السقا"، وأنه لم ينقله كما هو كما ادّعى البعض.
ولكن في حقيقة الأمر هذا الفيلم لم يترك لي منفذاً أدافع به عنه، لقد شعرت بالصدمة بعدما أضيئت الأنوار ونزل تتر الفيلم، وبدأ المشاهدون في الرحيل، وتساءلوا فيما بينهم: كيف قَبِل أحمد السقا أن يخرج الفيلم بهذا المستوى؟!! كيف قَبِل أن يعود إلى سفح الجبل بعدما وصل إلى قمته؟!!
وحتى لا يتصف كلامي بذاك الطابع الجهجهوني الذي عادة ما يلتصق به كتابات البعض من أصحاب مذهب الشتيمة من أجل الشتيمة؛ فأسوق مبرراتي لما أدّعي تباعاً والحُكم في النهاية للقارئ.
أين القصة؟سؤالي الأوّل لكل مشاهدي فيلم "الديلر": ما هي قصة الفيلم؟ بخلاف أنهما شخصان نشـأت بينهما عداوة منذ الصغر، وسافَرا إلى الخارج ليُكمِلا مسلسل العداء في أوروبا، ماذا كانت القضية التي يناقشها المؤلف المخدّرات مثلاً (قديمة وأكل عليها الدهر وشرب)، حقيقة لم أجد قصة حقيقية ولا قضية يناقشها الفيلم، لدرجة أن أحد أصدقائي قال لي إن الفيلم هو محاولة للصلح بين تركيا (حيث يوجد السقا) وأوكرانيا (حيث يعيش خالد النبوي)، وإذا كان حجة البعض في هذا أن هناك بعض المدارس التي تتبنّى نظرية الفن من أجل المتعة وأنا أوافقه وأسانده وأؤيّده في ذلك!! ولكن...
أين المتعة؟عناصر المتعة في العمل السينمائي تقوم على عدد من العوامل؛ أحدهم خاص بأداء الممثلين في حد ذاتهم، وثانيهم يقوم على الإبهار المقدَّم على الشاشة، ولنتناول العنصرين تباعاً:
- أداء الممثلين: في هذه النقطة تحديداً سوف أتناول بالحديث أحمد السقا فقط؛ لأن الأداء التمثيلي لخالد النبوي كان أمراً لا خلاف عليه من حيث الاحترافية والإقناع، وكذلك نضال الشافعي الذي أتقن إلى حد كبير تلك اللهجة الشامية، ولكن أداء "السقا" التمثيلي كان أداءً باهتاً تشعر معه وأنك تأكل وجبة بدون ملح، لم يكن هناك مشاهد قوية لـ"السقا" يمكن أن نطلق عليها Master Scene تُحسَب له على مدار الفيلم مثلما كان مشهد خالد النبوي (علي الحلواني) مع مي سليم (سماح) عندما حذّرها من أن تذكر "يوسف الشيخ" (أحمد السقا) وهي في عصمة رجل آخر.
- الإبهار على الشاشة: فيلم مثل فيلم "الديلر" تدور أحداثه بين بطلين: أحدهما تاجر سلاح، والآخر تاجر مخدرات من الطبيعي أن يتخلله مشاهد حركة كثيرة، فما بالك بفيلم يقوم ببطولته شخص هو نفسه أحد واضعي قواعد هذا الفن في مصر بشكل احترافي عالٍ، ولكن المفاجأة أن الفيلم يكاد يكون خالياً تماماً من أي مِن مَشاهِد الحركة إلا فيما ندر، والحركة هنا على مستوى مطاردات الشوارع (باستثناء مطاردة الشرطة له في بداية الفيلم) أو مطاردات السيارات (باستثناء مطاردة واحدة على استحياء في نهاية الفيلم).
أين المنطقية؟المنطقية غابت في كثير من الأحيان عن أحداث فيلم "الديلر"، فعلى سبيل المثال لم يضع لنا المؤلف سبباً واضحاً ومقنعاً لأسباب العداوة التي نشأت بين الشابين، وكإن لا حس لهما ولا خبر، اعتمد المؤلف فقط على التعليق الصوتي لأحمد السقا الذي أكّد فيه على عداوتهما الضاربة بجذورها منذ مولدهما.
تجسّد غياب المنطقية من جديد في عدم تقديم المؤلف لتسلسل منطقي للأحداث فيما يتعلّق بالصعود المفاجئ الذي حدث لخالد النبوي من مجرد بودي جارد وتاجر مخدرات إلى سياسي كبير وتاجر أسلحة في أوكرانيا ومرشّح بالانتخابات.
ومن جديد غابت المنطقية في نوبة الحنية الرهيبة التي أطلّت على قلب أحمد السقا (يوسف الشيخ) بنهاية الفيلم، وجعلته يتعاطف مع (علي الحلواني) الذي سافر إلى أوروبا خصيصاً كي ينتقم منه، وينقذ ابنه من القتل، المشكلة أن كم الكراهية الذي صوّره لنا المؤلف والمخرج بين طرفي النزاع جعل من المحال أن يتقبّل عقل المُشاهِد أن تنتهي هذه الخصومة هكذا فجأة بحكم الحنين إلى الوطن.
أين خالد النبوي؟غاب خالد النبوي نصف ساعة كاملة في أحداث الفيلم، والآن أتمنّى من مشاهدي الفيلم أن يجاوبوني.. أين ذهب خالد النبوي؟!! وهل من الطبيعي أن يغيب أحد أبطال الفيلم نصف ساعة كاملة متواصلة عن الشاشة؟
أخيراً..وقبل أن أختم حديثي عن الفيلم يجب من جديد أن أرفع قبعتي احتراماً وتقديراً للمثل الموهوب المقتدر تمثيلياً خالد النبوي الذي لم أشك للحظة أنه أوكراني وعاش في أوكرانيا عندما كان يخاطب الشعب الأوكراني بالانتخابات، ولم أشك للحظة أنه فعلاً يكره "يوسف الشيخ"، ولم أشك للحظة أنه شاب من القلعة محفور في ترابها ومعجون في حواريها.
ولكن في النهاية أي فيلم هو عمل جماعي بالأساس حسنته تخص وسيئته تعم، وأياً كانت الظروف الصعبة التي يتحدّث عنها البعض والتي أثّرت في خروج العمل بهذا الشكل، فالجمهور في النهاية يدفع مقابل سلعة ولا يهمه ما إذا كان صانع هذه السلعة كان لديه أزمة نفسية مثلاً فلم يخرجها بالشكل المطلوب